فن الاقناع

عملية الإقناع هي نقيض الخداع. الإقناع الفعّال هو مزيج من عمليات التعلّم و التفاوض من أجل السير بالطرف الآخر أو زملاء العمل نحو حلٍ مشترك لمشكلة معيّنة.
فن الإقناع الناجح
يخاطب الرأس و القلب معاً
يخاطب الرأس و القلب معاً
إن الإرغام و الإكراه يولدان المقاومة ويورثان الخلاف بينما الإقناع والحوار يبقيان على الود والوئام ويقودان للتغيير بسلاسة ويسر ورضا. إن الإقناع كما هو التفاوض لغة الحكماء وطريقة الأذكياء؛ وما ألتزمه إنسان إلا كان الاحترام والتقدير نصيبه من قبل الأطراف الأخرى بغض النظر عن قبوله.
يعرف الإقناع اصطلاحا على انه " المجهود المنظم و المدروس الذي يستخدم وسائل مختلفة للتأثير على آراء الآخرين وأفكارهم بحيث يجعلهم يقبلون ويوافقون على وجهة النظر في موضوعٍ معين، وذلك من خلال المعرفة النفسية والاجتماعية لذلك الجمهور المستهدف "، كما يعرف على أنه: " عمليات فكرية وشكلية يحاول فيها أحد الطرفين التأثير على الآخر وإخضاعه لفكرة ما "، ويعرّف أيضاً باستخدام الإنسان للألفاظ والكلمات والإرشادات وكل ما يحمل معنى عاماً لبناء الاتجاهات والتصرفات أو تغييرها ".
الإقناع "فن" بكل ما تحمله هذه الكلمة من مدلولات، وبالرغم من محاولة الكثيرين ممارسة هذا الفن، إلا أن القلة القليلة فقط تلك التي أجادته.
يعتبر الإقناع أحد المفاهيم التي أصبحت تأخذ دورا كبيرا في التحليلات والكتابات في الوقت الراهن، ولا شك أن الإقناع يلعب دوراً رئيسياً وحيوياً في حياة أي فرد، فالوالد في بيته يريد أن يقنع الأسرة بوجهة نظره، والمسئول في موقعه أياً كان يريد أن يقنع المرؤوسين، والتاجر يحاول إقناع الزبائن، والتربوي يسعى لإقناع طلابه والإعلامي يريد إقناع المُتلقي والسياسي يريد إقناع الجمهور بجدوى سياسته وأهمية برامجه، ورجل العلاقات العامة يسعى لتسويق المنتجات والخدمات لدى الجمهور المستهدف، والأحزاب تحاول إقناع الجمهور بجدية برامجها الانتخابية و الأنظمة و الدول تحاول إقناع المواطنين بمدى نجاعة سياساتها الاجتماعية و الاقتصادية، ولذا فإن للإقناع دوراً محورياً في الحياة ذلك إن الحياة ميدان للاتصال، والاتصال عملية إنسانية وحياتية ذات جانب اجتماعي، ونفسي لا تستقيم الحياة الاجتماعية وتكتمل إلاّ بها، ويأتي الإقناع ليضطلع بالدور الرئيس والمهم في الاتصال.
يأخذ الإقناع شكلين واضحين فهو إما يكون إقناعاً مباشراً أو إقناعاً غير مباشر، والإقناع المباشر يخاطب الفرد أو الجمهور بشكل تلقائي بدون مواربة أو مُداراة مما يستشير في العادة دفاعات المتلقي و يجعله يُبدي تصلّباً ومقاومةً نفسية متزايدة ينتج عنها في الغالب عدم قبول وجهة النظر المطروحة، و يتطلب هذا الشكل من الإقناع مهارات غير عادية ممن يريدون إجادته و استعماله في كسب تعاطف الآخرين و تعاونهم. أما الإقناع غير المباشر فيكون بالعادة متوارياً ولكنه ذكي يدفع المُتلقي إلى استنتاج الأمور بنفسه ومن ثم يعمد إلى اتخاذ القرارات بصدد الموضوع المطروح من تلقاء نفسه مما يُشعره بالرضا والراحة النفسية ، ويُعتبر الإقناع ناجحاً إذا صدرت القرارات من الجهة المستهدفة بحيث تكون موازيةً لما نطرحه من مواضيع بمعنى أن تلك القرارات تسير مع وجهات نظرنا المراد تبنّيها .
يقول الكاتب الأمريكي هاري اوفر ستريت في كتابه " التأثير في التصرف الإنساني " كل نشاط إنساني مصدره رغبة متأصلة في النفس، و من ثم فأفضل نصيحة للذين يشتغلون بإقناع الناس، سواء في العمل، أو في المدرسة أو في البيت: اخلق أولا في الشخص الآخر رغبة جامحة في أن يفعل ما تريد، فان الذي يفعل هذا تنحاز الدنيا جميعا إلى صفه أما الذي لا يفعله، فيسير طريقا طويلا بمفرده.
و لعل من أهم قواعد فن إقناع الآخرين أن تكون مقتنعا جدا من الفكرة التي تسعى لنشرها و أن تمتلك الحجة و البلاغة لتبسيطها للآخرين وان تستخدم الكلمات ذات المعاني المحصورة والمحددة أن تختار العبارة اللينة الهينة، السهل فهمها والابتعاد عن الشدة و الإرهاب والضغوط وفرض الرأي و أن تحرص على ربط بداية حديثك بنهاية حديث المتلقي لأن هذا سيشعره بأهمية كلامه لديك وأنك تحترمه وتهتم بكلامه و لا تحاول أن تبرهن على صحة موقفك بالكامل وان الطرف الآخر مخطئ تماما في كل ما يقول.
و يتمتع الشخص المجيد لفن الإقناع بأفضل ما تتسم به الأنماط المختلفة للشخصية فهو يتسم بالود و يسعى لإرضاء الجميع لكنه لا يخشى مواجهة المشكلات مباشرة، و هو يمتاز بتحطيم الحواجز بين الأنماط المختلفة للشخصية و يركز على القضايا و الموضوعات ذات الاهتمام المتبادل و الأهم من ذالك هو تركيزه على فهم شخصية الآخر حتى يتمكن من تعديل سلوكه ليتوافق مع متطلبات الشخص الآخر.
و تعد الدقائق الأولى هي المحددة الأساسية لمدى نجاح عملية الإقناع المباشر أو فشله، لذا يجب تجنب المواجهات في البداية و إذا لم توافق على مواقف الطرف الآخر فلا داعي للجدل، بل اعرض وجهة نضرك بهدوء فلهذا الأسلوب الودي والمتفهم قدرة علانية على نزع فتيل المواجهة و هو يسمح لك بالرفض أو القبول في نفس الوقت.
و من بين المهارات المهمة التي تساعد في عملية إقناع الآخرين هي فك شفرة لغة الجسد التي تعتبر أكثر صدقا و أفضل إنباء و أكثر إيحاء من الكلمات المنطوقة، فهي البوابة التي تقودنا نحو كشف ما يخفيه الآخرون، فإذا غفا محاورك أثناء النقاش فهو يقول لك بأنه غير مقتنع بما تقول رغم بلاغتك و قوة حجتك، كما أن ثني الذراعين قد يعني قد يعني استعداد محاورك للنقاش. أما رفع الحاجب أو التحديق للأعلى فلا يعني الرفض القاطع أو القبول القاطع ، بل يعني انه عليك التأني و عدم التسرع في الحكم على نظيرك في المفاوضات.
يقول الاستشاري لاسي تي سميث في كتابه الممتاز " افتح مخك – دور الذكاء الفطري في المفاوضات-": لكل شيء سببان، السبب المعلن هو مزيف، و السبب الخفي هو حقيقي، فلا تنخدع بالكلام المعسول و ميز بين الحقيقة للوهم.
و من ميزات فن الإقناع عدم الإصرار على الفوز بالضربة القاضية و السماح للطرف الأخر بالحفاظ على ماء وجهه، لأن الأشخاص الماهرين والذين لديهم موهبة النقاش هم الذين يعرفون كيف يجعلون الطرف الآخر يقر بوجهة نظرهم دون أن يشعر بالحرج أو الإهانة، ويتركون له مخرجا لطيفا من موقفه. إذا أردت أن يعترف الطرف الآخر لك بوجهة نظرك فاترك له مجالا ليهرب من خلاله من موقفه و أن تترك الجدل العقيم الذي يقود إلى الخصام.يقول بنجامين فرانكلين:" إذا جادلت، و تحديت و ناقضت فربما استطعت أن تنتصر أحيانا و لكنه نصر أجوف، لأنك ستخسر على أي حال، حسن علاقتك بمحدثك، فماذا ستفضل: انتصارا أجوف أم علاقة طيبة بالرجل فأنت قلما تحوز على الاثنين معا "
و في القرآن الكريم مثال رائع لقوة الحجة في الإقناع، يقول تعالى عز شأنه في سورة البقرة: { ألم تر إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربيَ الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإنا الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب فبهت الذي كفر } (البقرة:258) هذه المحاجَّة التي جرت بين إبراهيم عليه السلام، وبين ذاك الملك الذي ادعى القدرة على الخلق والإيجاد، والإماتة والإعدام، و كيف تمكن أبونا نبي الله إبراهيم الخليل من إقناعه و ردعه بعد أن طلب منه دليلاً على دعواه، بأن يأتيَ بالشمس من المغرب، خلافًا لما جرت عليه السنن الكونية، فلم يستطع لذلك جوابًا، وأُسقط في يده؛ وأقام عليه إبراهيم الحجة البالغة، مبينًا له أن ما ادعاه في دعواه، ليس له فيه من الأمر شيء، بل ذلك لله وحده، لا ينازعه في ذلك أحد من خلقه مهما أوتي من قدرة وسلطة ومكانة .
أما السنة النبوية فتزخر بقدرته صلى الله عليه و سلم و تمكنه من فن الإقناع.
- مبادئ مهمة في الحوار والإقناع:
- انطلق من احتياجات الآخرين.
- ابحث عن البديل الثالث.
- افهم الآخرين ليفهموك.
- الخريطة ليست المنطقة.
- أنا أربح وأنت تربح والكل يربح.
- أنت المسؤول إذا لم يفهمك أحد.
- توجد نية إيجابية وراء كل سلوك.
- المرونة وقود الحوار.
- إن الجسم والعقل يؤثر كل منها على الآخر.
- يتم الاتصال الإنساني على مستويين الواعي واللاواعي.
- العقل الواعي والعقل اللاواعي:
- العقل الواعي: هو المدرك الذي تحدث فيه الموازنات والمقارنات وحساب الآثار والعواقب والمصالح والمفاسد.
- ولا يشغل إلا حيزاً صغيراً مقارنةً بالباطن (اللاواعي).
- العقل اللاواعي: هو مخزن هائل للمعلومات.
- وهو المسؤول عن المشاعر والاستجابات غير الإرادية والدوافع وراء السلوك.
1- تأسيس الاعتمادية:
تنبع اعتمادية المرء من مصدرين متكاملين هما:
الخبرة العميقة و المعرفة الواسعة، و حسن التعامل مع الناس.
إن كان لديك تاريخ حافل بالوقائع العملية التي تشهد لك بأنّك تقيم أحكامك و قراراتك على البيّنات الموضوعية المثبتة فإنّ زملاءك سيحترمون خبرتك. و إن كنت تثبت خلال مسيرتك المهنية سعيك الحقيقي إلى صيانة مصالح زملائك فإنّهم سيطمئنّون إلى علاقاتك و تعاملاتك معهم.
من سيقرأ الرسالة؟ و من سيحاول فهمها؟ من أين يأتي النجاح في توصيل الرسالة إن كان حاملها و شارحها مرفوضا؟
إن وجدت لديك ضعفاً في جانب الخبرة، فبإمكانك تقوية موقعك في هذا الجانب من خلال:
- تعلّم المزيد من خلال التثقيف الرسمي و الذاتي، و تكثيف الحوار مع أصحاب الخبرة داخل الشركة.
- التعاقد مع خبراء خارجيين محترمين.
- الاختلاط العميق بأهل العلم و الخبرة و تشرّب معارفهم و أساليبهم التطبيقية.
- إطلاق مشاريع اختباريّة
و لردم الفجوة في جانب العلاقات يمكنك القيام بما يلي:
- عقد اجتماعاتٍ ثنائية مع الأشخاص المهمّين في تعريف الناس بك و تحسين علاقاتك معهم.
- إدخال زملاء عمل يتفقون معك في طريقة التفكير و التعامل و لديهم قبول حسن لدى الناس في مخاطبة الجمهور الذي توجّه له رسالتك.
مثلاً: تصوّر اثنان من مطوّري المنتجات الجديدة لدى "مايكروسوفت" منتجاً برمجيا ًثورياً، و لكنّ هذين المطوّرين لم تكن لديهما الخبرة التكنولوجيّة اللازمة. بعد أن أشركا في العمل خبراء تقنيين و اختبرا في السوق نموذجاً أوّلياً، تمكّنا من إقناع الإدارة بملائمة المنتج لمستخدم الحاسوب العاديّ وهكذا بيع منه أكثر من نصف مليون وحدة.
ارسم الأهداف على أرضية مشتركة:
بيّن تبييناً ملموساً مزايا موقفك. و بكلماتٍ أخرى لا تدفع الناس إلى ما تريدهم أن يمضوا إليه بل أظهر لهم في مطالبك أشياء تفيدهم أو تسرّهم و عندئذٍ سيمضون إليها بأنفسهم. إن هذا ليس خداعاً بل هو إقناع. و عندما يتعذر إيجاد منفعة قابلة للإثبات فإنّ عليك أنت تعديل موقفك و مطالبك.
لا تدفع الناس إلى ما تريد، بل اجعلهم يريدونه
مثال: أفلحت مديرة إحدى وكالات الإعلان في إقناع مؤسسة للأطعمة السريعة بتقديم المزيد من تخفيض الأسعار للمنتجات المرسلة إلى مراكز الشركات، بالرغم من أنّهم كانوا شديدي القلق و التردّد. لقد ساعدها في ذلك استنادها على دراسة موثّقة تبيّن كيف أن الخطة الجديدة ستحسّن أرباح المؤسسة. بعد الاطلاع على الدراسة الموثّقة مضت المؤسسة بتنفيذ الخطة دون أيّ اعتراض.
عزّز موقفك بحيوية و حرارة:
البراهين المنطقية الجافة لا تجدي وحدها في معظم من الأحيان. ادعم معطياتك الرقمية و اجعلها أكثر إقناعاً
و تحريكاً من خلال الأمثلة و القصص و التشبيهات ذات التأثير العاطفيّ القويّ.
أعطني ما أحب و ليس ما ينفعني و حسب
مثال: مؤسّس شركةٍ أمريكية لمستحضرات التجميل تدعى " ماري كاي" ألقى خطاباً شبّه فيه الاجتماع الأسبوعي لمندوبي المبيعات باجتماعات المسيحيين المناهضين للحكم الروماني. و أدّى ذلك غرضين في وقتٍ واحد: بيّن أهمية التآزر بين أفراد قوة المبيعات، و نشر في أجواء العمل روح الاجتهاد الرساليّ البطولي.
- تواصل عاطفياً:
اجتهد في توليف إيقاعك العاطفي ليوافق مقدرة كلٍّ من الحضور على تلقّي رسالتك.
استكشف كيف تلقّى زملاؤك المستمعون و كيف فهموا الأحداث الماضية في المنظمة، ثم حاول التنبّؤ بكيفية قراءتهم لمواقفك و اقتراحاتك الراهنة. حاول جسّ نبض الأفراد الأساسيين قبل مخاطبة الجميع.
ابدأ أوّلاً، حاول أن تفهمني إن أردت منّي أن أفهمك